بعد العصيان المدني وتجميد المساعدات.. الاقتصاد السوداني يعود لـ الصفر

بعد العصيان المدني وتجميد المساعدات.. الاقتصاد السوداني يعود لـ الصفر

 

 

يبدو أن الاقتصاد السوداني قد عاد مجدداً إلى “نقطة الصفر” متأثرا بتراجع نسب التفاؤل بالتوصل إلى حل سياسي قريب بين المكونين العسكري والمدني في السودان، بوصول المفاوضات إلى “طريق شبه مسدود”، إثر رفض الجيش العودة إلى ما قبل الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها في أكتوبر الماضي.

 

وجدد تجمع المهنيين السودانيين -الذي قاد الاحتجاجات في الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير- اليوم الأحد، دعوته إلى استئناف العصيان المدني الشامل، بالتزامن إعلان تنسيقيات محلية عدة تابعة للتجمع، عن البدء بنصب المتاريس، وقطع الطرق.

 

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان العديد من الجهات المانحة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وفرنسا تعليق أو تجميد المساعدات مالية عن السودان، في الوقت الذي سارع فيه السودان إلى إجراء مزيد من الإصلاحات الاقتصادية من أجل رفع مستوى الأداء الاقتصادي وإسقاط الديون وجذب الاستثمارات الأجنبية، والتعافي من تبعات جائحة كورونا، ومن المرجح أن يكون لهذا الانقطاع المفاجئ للمساعدات عواقب وخيمة على اقتصاد السودان “المنهك”، في وقت كان قد بدأ لتوِّه في التعافي.

 

وفي الوقت الذي كانت تسعى فيه مجموعة من الوساطات والمساعي الدولية والإقليمية من أجل إرساء الشراكة مجدداً بين المكونين العسكري والمدني، وإعادة حمدوك رئيساً للوزراء في حكومة كلها من التكنوقراط، تعثرت هذه المفاوضات خلال اليومين الماضيين، بعد أن كان التفاؤل سيد الموقف الأسبوع الماضي.

 

آمال سودانية

وكشف الناطق الرسمي باسم وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، الدكتور أحمد الشريف، اليوم الأحد، عن استمرار العمل في إعداد الموازنة العامة للدولة لعام 2022، بالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات الحكومية والولايات وفقاً للموجهات العامة الموازنة والتي تم تسليمها للوحدات الحكومية على مستوى المركز والولايات.

 

وأضاف الشريف: “إننا نستشرف من إعداد الموازنة الجديدة جني ثمار إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتدفق المنح والقروض بعد تسوية مديونيات صندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التنمية الأفريقي والوصول إلى مرحلة اتخاذ القرار بشأن إعفاء ديون السودان الخارجية وفقاً لمبادرة الدول المثقلة بالديون (الهيبك)”.

 

الولايات المتحدة

وكانت الولايات المتحدة قد علقت بالفعل حزمة مساعدات اقتصادية للسودان والبالغة قيمتها 700 مليون دولار، وذلك تعبيراً عن الإدانة الأمريكية للانقلاب العسكري في البلاد.

 

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن تلك المساعدات كانت تستهدف دعم الانتقال الديمقراطي في السودان، وقد تم إيقافها بعد انتزاع الجيش السوداني السلطة من الحكومة انتقالية.

 

وقال المتحدث باسم الوزارة، نيد برايس إن قرار الإيقاف المؤقت للمساعدات الأمريكية من “مخصصات المساعدة الطارئة لأموال الدعم الاقتصادي في السودان” قد اتخذ “بينما نقوم بتقييم الخطوة التالية بشأن برنامج السودان”.

 

لكن رئيسة وكالة المعونة الأمريكية سامنتا باور قالت “إن المعونة الإنسانية المقدمة للشعب السوداني والتي تجاوزت قيمتها خلال السنة المالية 2021 مبلغ 386 مليون دولار ستستمر”.

 

وتقدم وكالة المعونة الأمريكية الدعم لبرنامج دعم العائلة السودانية، وهو برنامج يتعلق بشبكة الأمن الاجتماعي، وذلك من أجل مساعدة السودانيين على مواجهة مصاعب الحياة ريثما يتعافى الاقتصاد.

 

وتعمل “المعونة الأمريكية” على تقديم المساعدات الإنسانية في السودان من خلال التعاون وتقديم الدعم لمجموعة من المنظمات والوكالات الدولية والمنظمات غير الحكومية مثل الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمة الهجرة الدولية واليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، ومنظمة الهجرة الدولية، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، وإدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن، وكذلك دعم الخدمات الجوية الإنسانية للأمم المتحدة والتي تشمل الإسناد اللوجستي وسلع الإغاثة في عموم البلاد.

 

ويذهب الجزء الأكبر من المعونات الإنسانية التي تعهدت الولايات المتحدة بتقديمها إلى السودان إلى برنامج الغذاء العالمي من أجل تأمين مساعدات غذائية بقيمة تفوق 147 مليون دولار من المساعدات الغذائية الأمريكية العينية التي زادت على 136 مليون طن، بينما تخصص الوكالة الأمريكية مبلغاً يزيد على 81 مليون دولار للمساعدات الغذائية التي يتم شراؤها محلياً وإقليمياً ودولياً ولجهود الإسناد اللوجستي والتغذية في عموم السودان.

 

أما الجزء الأخير من المعونات فمخصص لمنظمة الصحة العالمية وتبلغ قيمته أكثر من 8.5 مليون دولار يغطي برامج المنظمة الصحية.

 

نادي باريس

ذكرت وزارة الخارجية الفرنسية أن ما وصفته بأنه “انقلاب” في السودان يضع اتفاق نادي باريس في يوليو الماضي لإعادة هيكلة 23.5 مليار دولار من ديون السودان موضع شك وتساؤل.

 

ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء مساء أمس السبت عن الوزارة: “من الواضح أن الانقلاب العسكري الذي وقع يوم 25 أكتوبر يضع العملية موضع تساؤل”. وأضافت أن “إلغاء الديون كان جزءاً من دعم فرنسا للتحول الديمقراطي”.

 

وكان نادي باريس، قد وافق في يوليو الماضي على إلغاء نحو 14.1 مليار دولار من عبء الديون على السودان وإعادة هيكلة 9.4 مليار دولار.

 

الاتحاد الإفريقي

ورغم تأكيد الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، في وقت سابق أن “الانقلاب” كان ضرورياً لتفادي وقوع “حرب أهلية”، وإصراره على أن السودان لا يزال يتجه نحو الديمقراطية وإجراء انتخابات في عام 2023، إلا أن منطقه قوبل بالرفض واسع النطاق، حيث علّقت منظمة الاتحاد الإفريقي عضوية السودان بهدف إعادة الحكومة المدنية.

 

وقال الاتحاد الإفريقي في تغريدة على تويتر إنه في الوقت الذي يرحب فيه بالإفراج عن رئيس الوزراء، ستظل أنشطة السودان معلّقة لحين إعادة الحكومة المدنية.

 

البنك الدولي

ومن جانبه، قال رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس: “أنا قلق للغاية من الأحداث الأخيرة في السودان، وأخشى من التأثير الدراماتيكي الذي يمكن أن يكون لذلك على الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي للبلاد والتنمية”.

 

وكان السودان قد استطاع، في مارس الماضي، الحصول على منح بمليارات الدولارات من البنك الدولي للمرة الأولى منذ نحو 30 عاماً، كما ساهم البنك الدولي بمساعدات للسودان بنحو 3 مليارات دولار لدعم الزراعة والنقل والرعاية الصحية والتعليم.

 

الاتحاد الأوروبي

كما هدد الاتحاد الأوروبي بتعليق مساعدته المالية للسودان في حال لم يُعِد العسكريون السلطة إلى الحكومة المدنية، وحذر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في تصريح باسم الدول الـ27 الأعضاء في التكتل قائلاً: “هذه المحاولة لتقويض الانتقال نحو الديمقراطية في السودان، غير مقبولة.. إذا لم يُعد الوضع فوراً إلى ما كان عليه، فستكون هناك تداعيات خطيرة لالتزام الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك دعمه المالي للسودان”.

 

صندوق النقد الدولي

ومن جانبه، قال صندوق النقد الدولي في بيان: “من السابق لأوانه التعليق على تداعيات الأحداث الأخيرة في السودان، لكننا نراقب التطورات بعناية”.

 

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية